وداعًا عبدالله الأسمري- قصائد وجع وأمل باقية
المؤلف: أحمد الشمراني10.01.2025

الكثير من الأشخاص الرائعين، عندما تشتد عليهم قسوة الحياة ويدهمهم المرض، يميلون إلى الانزواء بأوجاعهم، رافضين إثقال كاهل أحبائهم بأعباء تعبهم وآلامهم.
رحل الشاعر المرهف عبدالله الأسمري، تاركًا لنا صفحات من معاناته وآلامه، تجسدت في كلمات مؤثرة أبكت كل من قرأها وتأثر بها، لأنها لامست فينا جميعًا جوانب إنسانية عميقة.
لقد خطّ الراحل في إحدى وصاياه أبياتًا موجعة قال فيها:
"وانتي بتجين..
مري على قبري معك..
يمكن تشوفينه حزين..
ويمكن تشوفيني هناك..
وتكون لي فرصة عمر...
عشان اموتك مرتين.."
لقد تقاسم كل من صالح الشهري وناصر الصالح وعبدالله الأسمري مرارة الألم والوجع، لكنهم رغم ذلك أهدوا لنا بصيصًا من الأمل والتفاؤل.
رحل هؤلاء الثلاثة، لكن إبداعهم وجمال أرواحهم ما زالا حيّين، يسطرهما بأسى صديقهم الشاعر المبدع علي العسيري، ففي قصيدته "النورس الذي مالقا له أهل قصة" حكاية لم ترو بعد، عاشها علي مع هؤلاء الأصدقاء الثلاثة.
رحل يا علي عبدالله، ولكن ما زلت أتذكر قصيدتك "تعثر في طرف ثوبه" التي تحولت من مجرد موقف عابر إلى قصيدة مغناة خالدة.
"ما هو ضروري التفت وادورك بين الجمـــوع..
من لذة الطعنة عرفت ايدك وانا ما شفتها..
ليه التفت ما دمت انا ماني من انصار الرجوع..
وكل الحلوم الماضيات اللي معك أحرقتها.."
هكذا قالها عبدالله ورحل، وتركني في حيرة بين أن أرثيه وأبكي فقده، أم أرثي وأبكي الطيبة والصفاء التي كانت تتجسد فيه، فمن يعرف عبدالله الأسمري حق المعرفة، سيدرك تمامًا ما أعنيه.
في إحدى الليالي الهادئة على كورنيش جدة، كنت برفقة صديقنا المشترك سعد زهير، نستمع إلى عبدالله وهو يلقي علينا بعضًا من قصائده ونصوصه المؤثرة، وأسرّ لي بنص أبكاه قبل أن يتمه.
هذا الإنسان النبيل هو من أرثيه بكلمات مؤثرة قالها الشاعر المرهف عبدالله ثابت، أرى فيها تجسيدًا لفقد عبدالله: "مات شاعر في مكان ما من هذا الوجود، ماتت في مكان آخر شجرة، وتساقطت أوراقها قبيل الفجر. إذا مات شاعر انطفأت نجمة، وتخاصم حبيبان وضاع خاتم وأصبحت الدنيا أقل، إذا مات شاعر أوصدت نافذة وبكت خلفها الفتاة والسقف والوسادة وإذا مات شاعر تنسى القهوة المواعيد ويعتذر الطل من الزهرة ولا يتلفت الصبح إلى وجه الحمامة..!"